المتوحشه
18-08-2005, 07:29 PM
هل جربت يوما أن تشعر بالسلام في أمكنة وأزمنة
هاربة من قبضة التاريخ...
تنهل بعضا من الألق خارج الحدود الكلاسيكية المحدودة
.
.
(1)
صحوت قبل أن يطلق المنبه رنينه بدقيقتين، نهضت بتثاقل واستسلام، غسلت وجهي فرشت أسناني. تأملت وجهي في المرآة، يا الله كم يبدو شاحبا، وضعت كحلا أزرق لعيناي ودهنت بشرتي بكريما يقال بأنه واق من أشعة الشمس..ومن جديد تأملت عيناي لثوان، هل تبدوان حزينتان وتفضحاني؟ إرتديت ملابسي على عجل،لا أحب أن أتأخر على مواعيدي ، يجب أن أكون في عيادة الأسنان في الساعة الحادية عشر صباحا.
(2)
دلفت إلى السيارة ..اختبأت خلف المقود، في الطريق الذي لم يستغرق سوى دقائق قليلة أدرت المذياع، كان البرنامج عبارة عن مسابقة كل متصل يقول الحكمة التي يؤمن بها وفي النهاية يفوز أحدهم بالقرعة..شعرت بالمرارة حتى الحكم يراهن عليها!!! كان يوما من أيام يوليو، ورغم مكيف السيارة إلا أنني شعرت بلظى الشمس تحرق وجنتي..نظرت عبر النافذة..عمال بناء يبنون في هذا الجو وكأنهم قطع من العجين وضعت في جوف تنور تنتظر أوانها للنضج...أشجار النخيل زرعت بجانبي الشارع يتمايل سعفها بخفه مع رياح السموم التي تزور منطقتي صيف كل عام..البحر من وراء شجيرات النخيل ساكنا منزعجا من شيء ما...كل شيء في هذا اليوم يبدو لي حزينا ويتحرك ببطء شديد، لماذا؟
(3)
ركنت السيارة، صفعتني الحرارة العالية، أسرعت الخطى إلى مدخل العمارة وفي الاستقبال رأيت طفلا
يمتطي سيارة أطفال يقودها ذهابا وإيابا تصدر صوتا مزعجا.. مخلفة وراءها خطوطا من الغبار على أرضية الرخام النظيفة...تقف على بعد خطوات منه مربية آسيوية تستند على الجدار واضعه يديها خلف ظهرها تراقب الطفل بضجر....مسؤول الاستقبال يقف خلف مكتبه وعينه على المربية و يتحدث مع شخص ما على المحمول ..رمقني الطفل بنظرات متحديه ..تجاهلته..ضغطت على زر المصعد..وهو يغلق لمحت الطفل يشعر بالهزيمة ..ما أدراه عن الأحزان التي تعربد في أعماقي وتمنعني من البهجة..
(4)
وفي العيادة...أومأت لي موظفة الاستقبال وهي نفسها مساعدة طبيبة الأسنان مرحبه، طلبت مني الانتظار دقائق في غرفة الانتظار..سمعت صوت أزيز يصدر من غرفة العلاج لابد أنه مريض مستسلم على كرسي طبيبة الأسنان.
تأملت غرفة الانتظار..كانت آخر زيارة لي للعيادة قبل ثلاثة أشهر ، لم تتغير الغرفة كثيرا، الرسومات التوضيحية لتركيب السن وأجزائة ما زالت معلقة في نفس المكان، علبة المناديل من نفس النوع...التلفاز الذي يتدلى من سقف الغرفة ،ترتيب الكنبات هو ذاته، الحمام الملحق بالغرفة وقد فتح بابه قليلا، رائحة الديتول تعبق في أرجاء الغرفة ، حاملة الصحف تحتضن نفس المجلات الآسيوية التي رايتها قبل ثلاثة أشهر ، باستثناء مجلة واحده وضعت على الطاولة التي تتوسط الغرفة بطريقة توحي أن أحدا ما تصفحها قبل قليل ، تناولتها كانت متخصصة بالسيارات قرأت فيها أن سيارة "ARMADA" هي الفائزة كأفضل سيارة لعام 2005 ، هراء !!! يتاجرون بالوهم وقارىء ساذج يصدق ، جميع السيارات قطع حديد وضع بداخلها محرك ، أعدتها مكانها، انزعجت قليلا...ربما من صوت التلفاز العالي .. الذي دائما ما أجده مدارا على محطة غربيه للأخبار، أو ربما لأنني وصلت إلى حقيقة أن هذه الغرفة لم تتغير...أنا فقط تغيرت...
جالت في نفسي خواطر ما حدث لي خلال الثلاث الأشهر الأخيرة ، مرت أمام عيناي وكأنها شريط فوتوغرافي ألتقط بالأبيض و الأسود ، صوت الممرضة قطع علي أفكاري وهي تأذن لي بالدخول استعدادا لبدء العلاج، علقت حقيبتي على كتفي، كانت غرفة العلاج تبعد أربع خطوات فقط عن غرفة الانتظار، دخلت إليها ألقيت التحية ردتها الطبيبة ومدت لي يدها فكرت في آخر مرة التقى فيها كفانا لم يكن قد حدث ما حدث. سألتني عن حالي بلهجة إماراتية مطعمة باللكنة الهندية، لم تنتظر جوابي، ولم أنوي إجابتها، جلست على كرسي العلاج،لاحظت أنها تتأمل عيناي كما تأملتها أنا في الصباح،أتراها قرأت ألمي؟؟!!
استسلمت لها وأنا على كرسي العلاج الذي أصبح سريرا، بدأت عملها، وغادرت عالمها،عيناي غائبتان في سقف الغرفة، صوت الأجهزة يعلو ويخفت...هل أستطيع أن أستمر على هذا الوضع للأبد؟كم أنا بعيده عن كل شيء،وفجأة.... انتابني شعور بأن أفضل مكان لي في العالم هو هذا الكرسي،أحسست كم أنني طامعة !! لابد أن هذه العيادة هي حلم عمرها...سخافة.. لماذا حينما سألتني عن حالي لم أقل لها؟ لماذا لم أخبر العمال الذين تشويهم الشمس ربما خففت مأساتي من مرارة واقعهم، لماذا لم أخبر النخيل ...البحر ؟؟!!
ما أدراها هي عن ما حدث لي منذ آخر زيارة، فكرت بها قليلا ..كيف عساها تكون حياتها؟؟؟ لا بد أنها تقابل أصناف من البشر بنفس الإبتسامه وأن لكل مريض تقابله حياة ..ومابين زيارة لها والأخرى قصص وحكايا..وفجأة عم صمت أليم وهدوء مريب ، قالت لي : أنهيت العلاج....أحسست بكآبة عميقة وكأن أحدا ما يسحبني للأسفل..فقد كل شيء معناه عدى هذا الكرسي، بالتأكيد كل ذلك بدا واضحا في عيناي ، كانت ترمقني بدهشة، فارقت الكرسي الذي طمعت ان أعيش عليه ، جلست خلف مكتبها أشارت علي بالجلوس على أحد المقعدين، اخترت الأيمن ، انكبت تكتب وصفة الدواء ثم رفعت رأسها وأخذت تشرح الخطوة المقبلة في العلاج وهي تستعين بفك من المطاط، لم أكن أنصت إليها...تأملت الغرفة ..في الجانب الأيمن توجد نافذة بعرض نصف الحائط تغطيها ستاره مكتبية لونها سماوي كتب على طرفها " سيدار" ،وضع في النصف الآخر طاولة ألصقت على الجدار فبدت كأنها رف كبير له أرجل،وضع عليها أصيص صغير تعيش فيه نبته خضراء ذات وريقات صغيره..إطار جسم على حوافه زهور ملونه تتوسطه عبارة "happy togather" ...وإطاران آخران وضع في إحداهما الشهادة العلمية للطبيبة وفي الآخر شهادة حضور مؤتمر ما....ساعة كبيرة نسبيا على هيئة طاحونة ، الجدار الأيسر خال من كل شيء عدى رف نافر من الجدار وضعت عليه ثلاث إطارات تحتوي على صور للشيخ زايد رحمه الله، أحسست بالمفاجأة، يا الله كيف لم ألاحظها من قبل،إطاران مربعا الشكل ووحيد بيضاوي وضع بالوسط،الصورة الأولى كان يحتظن فيها طفله ربما كانت إحدى حفيداته، وأخرى في شبابه في وضع رسمي ، والأخيرة ذات الإطار البيضاوي ممتطيا فيها فرسا رمادي .
حددت لي الموعد المقبل وسألتني إن كان يناسبني، خرجت إلى موظفة الاستقبال دفعت ثمن العلاج سجلت لي الموعد المقبل ومضيت.
(5)
وفي ردهة استقبال العمارة وأنا خارجة رأيت الطفل مازال يقود عربته بعنف وقد زم شفتيه وسال بعضا من لعابه على ذقنه ، أصبحت الأرضية متسخة تماما، لم يعبأ بي حينما مررت من أمامه..خيل إلي أنه تعمد ذلك منتقما، موظف الاستقبال يتبادل حديثا هامسا باسما مع المربية الآسيوية...عندها .... هويت في بحر عميق من العذاب وكأن أحدا ما أخذ شيئا عزيزا علي و فر هاربا.
9/7/2005م
<!-- / message --><!-- sig -->
هاربة من قبضة التاريخ...
تنهل بعضا من الألق خارج الحدود الكلاسيكية المحدودة
.
.
(1)
صحوت قبل أن يطلق المنبه رنينه بدقيقتين، نهضت بتثاقل واستسلام، غسلت وجهي فرشت أسناني. تأملت وجهي في المرآة، يا الله كم يبدو شاحبا، وضعت كحلا أزرق لعيناي ودهنت بشرتي بكريما يقال بأنه واق من أشعة الشمس..ومن جديد تأملت عيناي لثوان، هل تبدوان حزينتان وتفضحاني؟ إرتديت ملابسي على عجل،لا أحب أن أتأخر على مواعيدي ، يجب أن أكون في عيادة الأسنان في الساعة الحادية عشر صباحا.
(2)
دلفت إلى السيارة ..اختبأت خلف المقود، في الطريق الذي لم يستغرق سوى دقائق قليلة أدرت المذياع، كان البرنامج عبارة عن مسابقة كل متصل يقول الحكمة التي يؤمن بها وفي النهاية يفوز أحدهم بالقرعة..شعرت بالمرارة حتى الحكم يراهن عليها!!! كان يوما من أيام يوليو، ورغم مكيف السيارة إلا أنني شعرت بلظى الشمس تحرق وجنتي..نظرت عبر النافذة..عمال بناء يبنون في هذا الجو وكأنهم قطع من العجين وضعت في جوف تنور تنتظر أوانها للنضج...أشجار النخيل زرعت بجانبي الشارع يتمايل سعفها بخفه مع رياح السموم التي تزور منطقتي صيف كل عام..البحر من وراء شجيرات النخيل ساكنا منزعجا من شيء ما...كل شيء في هذا اليوم يبدو لي حزينا ويتحرك ببطء شديد، لماذا؟
(3)
ركنت السيارة، صفعتني الحرارة العالية، أسرعت الخطى إلى مدخل العمارة وفي الاستقبال رأيت طفلا
يمتطي سيارة أطفال يقودها ذهابا وإيابا تصدر صوتا مزعجا.. مخلفة وراءها خطوطا من الغبار على أرضية الرخام النظيفة...تقف على بعد خطوات منه مربية آسيوية تستند على الجدار واضعه يديها خلف ظهرها تراقب الطفل بضجر....مسؤول الاستقبال يقف خلف مكتبه وعينه على المربية و يتحدث مع شخص ما على المحمول ..رمقني الطفل بنظرات متحديه ..تجاهلته..ضغطت على زر المصعد..وهو يغلق لمحت الطفل يشعر بالهزيمة ..ما أدراه عن الأحزان التي تعربد في أعماقي وتمنعني من البهجة..
(4)
وفي العيادة...أومأت لي موظفة الاستقبال وهي نفسها مساعدة طبيبة الأسنان مرحبه، طلبت مني الانتظار دقائق في غرفة الانتظار..سمعت صوت أزيز يصدر من غرفة العلاج لابد أنه مريض مستسلم على كرسي طبيبة الأسنان.
تأملت غرفة الانتظار..كانت آخر زيارة لي للعيادة قبل ثلاثة أشهر ، لم تتغير الغرفة كثيرا، الرسومات التوضيحية لتركيب السن وأجزائة ما زالت معلقة في نفس المكان، علبة المناديل من نفس النوع...التلفاز الذي يتدلى من سقف الغرفة ،ترتيب الكنبات هو ذاته، الحمام الملحق بالغرفة وقد فتح بابه قليلا، رائحة الديتول تعبق في أرجاء الغرفة ، حاملة الصحف تحتضن نفس المجلات الآسيوية التي رايتها قبل ثلاثة أشهر ، باستثناء مجلة واحده وضعت على الطاولة التي تتوسط الغرفة بطريقة توحي أن أحدا ما تصفحها قبل قليل ، تناولتها كانت متخصصة بالسيارات قرأت فيها أن سيارة "ARMADA" هي الفائزة كأفضل سيارة لعام 2005 ، هراء !!! يتاجرون بالوهم وقارىء ساذج يصدق ، جميع السيارات قطع حديد وضع بداخلها محرك ، أعدتها مكانها، انزعجت قليلا...ربما من صوت التلفاز العالي .. الذي دائما ما أجده مدارا على محطة غربيه للأخبار، أو ربما لأنني وصلت إلى حقيقة أن هذه الغرفة لم تتغير...أنا فقط تغيرت...
جالت في نفسي خواطر ما حدث لي خلال الثلاث الأشهر الأخيرة ، مرت أمام عيناي وكأنها شريط فوتوغرافي ألتقط بالأبيض و الأسود ، صوت الممرضة قطع علي أفكاري وهي تأذن لي بالدخول استعدادا لبدء العلاج، علقت حقيبتي على كتفي، كانت غرفة العلاج تبعد أربع خطوات فقط عن غرفة الانتظار، دخلت إليها ألقيت التحية ردتها الطبيبة ومدت لي يدها فكرت في آخر مرة التقى فيها كفانا لم يكن قد حدث ما حدث. سألتني عن حالي بلهجة إماراتية مطعمة باللكنة الهندية، لم تنتظر جوابي، ولم أنوي إجابتها، جلست على كرسي العلاج،لاحظت أنها تتأمل عيناي كما تأملتها أنا في الصباح،أتراها قرأت ألمي؟؟!!
استسلمت لها وأنا على كرسي العلاج الذي أصبح سريرا، بدأت عملها، وغادرت عالمها،عيناي غائبتان في سقف الغرفة، صوت الأجهزة يعلو ويخفت...هل أستطيع أن أستمر على هذا الوضع للأبد؟كم أنا بعيده عن كل شيء،وفجأة.... انتابني شعور بأن أفضل مكان لي في العالم هو هذا الكرسي،أحسست كم أنني طامعة !! لابد أن هذه العيادة هي حلم عمرها...سخافة.. لماذا حينما سألتني عن حالي لم أقل لها؟ لماذا لم أخبر العمال الذين تشويهم الشمس ربما خففت مأساتي من مرارة واقعهم، لماذا لم أخبر النخيل ...البحر ؟؟!!
ما أدراها هي عن ما حدث لي منذ آخر زيارة، فكرت بها قليلا ..كيف عساها تكون حياتها؟؟؟ لا بد أنها تقابل أصناف من البشر بنفس الإبتسامه وأن لكل مريض تقابله حياة ..ومابين زيارة لها والأخرى قصص وحكايا..وفجأة عم صمت أليم وهدوء مريب ، قالت لي : أنهيت العلاج....أحسست بكآبة عميقة وكأن أحدا ما يسحبني للأسفل..فقد كل شيء معناه عدى هذا الكرسي، بالتأكيد كل ذلك بدا واضحا في عيناي ، كانت ترمقني بدهشة، فارقت الكرسي الذي طمعت ان أعيش عليه ، جلست خلف مكتبها أشارت علي بالجلوس على أحد المقعدين، اخترت الأيمن ، انكبت تكتب وصفة الدواء ثم رفعت رأسها وأخذت تشرح الخطوة المقبلة في العلاج وهي تستعين بفك من المطاط، لم أكن أنصت إليها...تأملت الغرفة ..في الجانب الأيمن توجد نافذة بعرض نصف الحائط تغطيها ستاره مكتبية لونها سماوي كتب على طرفها " سيدار" ،وضع في النصف الآخر طاولة ألصقت على الجدار فبدت كأنها رف كبير له أرجل،وضع عليها أصيص صغير تعيش فيه نبته خضراء ذات وريقات صغيره..إطار جسم على حوافه زهور ملونه تتوسطه عبارة "happy togather" ...وإطاران آخران وضع في إحداهما الشهادة العلمية للطبيبة وفي الآخر شهادة حضور مؤتمر ما....ساعة كبيرة نسبيا على هيئة طاحونة ، الجدار الأيسر خال من كل شيء عدى رف نافر من الجدار وضعت عليه ثلاث إطارات تحتوي على صور للشيخ زايد رحمه الله، أحسست بالمفاجأة، يا الله كيف لم ألاحظها من قبل،إطاران مربعا الشكل ووحيد بيضاوي وضع بالوسط،الصورة الأولى كان يحتظن فيها طفله ربما كانت إحدى حفيداته، وأخرى في شبابه في وضع رسمي ، والأخيرة ذات الإطار البيضاوي ممتطيا فيها فرسا رمادي .
حددت لي الموعد المقبل وسألتني إن كان يناسبني، خرجت إلى موظفة الاستقبال دفعت ثمن العلاج سجلت لي الموعد المقبل ومضيت.
(5)
وفي ردهة استقبال العمارة وأنا خارجة رأيت الطفل مازال يقود عربته بعنف وقد زم شفتيه وسال بعضا من لعابه على ذقنه ، أصبحت الأرضية متسخة تماما، لم يعبأ بي حينما مررت من أمامه..خيل إلي أنه تعمد ذلك منتقما، موظف الاستقبال يتبادل حديثا هامسا باسما مع المربية الآسيوية...عندها .... هويت في بحر عميق من العذاب وكأن أحدا ما أخذ شيئا عزيزا علي و فر هاربا.
9/7/2005م
<!-- / message --><!-- sig -->