بـسم الله الرحمـن الرحـيم
إن كان الداء المتنامي ..
يقتات يمينك فاقطعها.
أو لبس الضوء له ستراً..
واحتل الحدقة .. فاقلعها.
لكن إن شابه أطباعك..
وتسلل يجمع أوجاعك ..
واستوطن ساكن أضلاعك ...
فاكتم صرختك عن الأسماع..
من يَسمع ميتاً ..... يَسمعها!!
*******
وقد قيل :"العتاب صابون القلوب" وكلما كانت القلوب ناعمة وصافية كلما كان التصاق الأحقاد بها أوهى ، وكلما كانت من الصفيح الرديء كلما احتاجت إلى المزيد من الصابون والماء "الساخن" ، يتدرج الأمر حتى تصل إلى تلك القلوب التي تشبه الأطباق الصينية والتي لا يحتاج الأمر معها إلى الصابون بتاتاً . وأنا في حالة عتب دائم مع هذا الساكن في وجعي والمحتضن لدمعي فهو لي أو أنا له .. لا كبير فرق !! المهم أننا لا نزال نهتم ببعض وإن لم يكن لنا من الأمر شيئاً. غريب أن يتعاتب محبان على أخطاء لم يرتكباها إنما أرتكبت في حقهما معا ً... والأعجب أن يأتي ذلك الآخر أو الآخرون فيقولون فيك ما لم يقله مالك في الخمر فقط لأنك ...تهتم بوجعك وتتألم لدمع يسفح على وجنة من ثرى!!
بالأمس أعلنوا الميزانية وما كادوا يفعلون ، فقد أصبحت هذه الميزانية مثل الغد غامض ومخيف ومجهول برغم أنها أرقام يفترض أنها تسير حسب قوانين الرياضة وأصول المحاسبة . ففي كل عام تخرج هذه الميزانية ككثير من الأمور في بلدي على غير المتوقع ، فهل بلغت بنا الأمية هذا الحد أم أنها شيء يشبه الأعاصير والزلازل لا يمكن التنبؤ بها!!.
الكثيرون انتظروها .. ليس لمعرفة مقدار الزيادة في الدخل الوطني ولا حجم التوفير في الإنفاق ولا مقدار انخفاض الدين العام ولا عن تجاوز الصرف أو تبديد المخصصات فالحديث عن هذه الأمور يندرج تحت تفسير الآية الكريمة :" يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".. ولكنهم ينتظرونها لأنها المسمار الذي يعلق عليه الجميع مشاريعهم . فلا وظائف قبل إعلان الميزانية ولا صرف انتدابات قبل إعلان الميزانية ولا ترقيات قبل إعلان الميزانية .. وأحد "المنسمين " الذي صادف أنه كان خاطباً قال إنه لن يتمم زواجه قبل الميزانية فربما تأتيه الزوجة منحة من مجلس الوزراء!!.
والميزانية مشتقة من الميزان والتوازن الذي عَجِزَت منذ عقد من الزمان عن أن تصل إليه مع هذا العجز الضخم الذي تحسدها عليه نساء العرب في العصور السابقة قبل أن يتدخل أيف سان لوران وهيفاء في تحجيم خيالات شعرائنا !. وعلى ذكر الاشتقاق والاشتياق فإن "شق" العجز قد عجز عن رتقه الراتقون وأعيتهم الحيل وغُلِّقت عليهم الأبواب ولم يقل لهم أحد هيت لكم بل قيل لهم هاتوا وإلا!! . دين يتقارب من السبعمائة مليار ريال كاملة الدسم متربع على ظهورنا وكلما قلنا لعله ينتهي يقال لنا بل ثابت ويزيد . فقد أعلنوا عن أننا - لا أعلم لماذا يقحموننا في المصائب بينما الإنجازات إذا حدثت تكون بفضل الحكومة الرشيدة وحدها !!!- لن نستفيد من الفائض الذي بلغ خمسة وأربعين ملياراً إذ أن نصفه سيخصص لتسديد الدين العام والباقي سوف يرحل للميزانية الجديدة
.
وحكاية الدين العام هذه حكاية تطرب لها الأسماع فنحن شعوب لم يعد يطربها إلا ألحان النكد والوجد وموسيقى الشحاذين. فدَيننا الفلكي يوحي بمقدار اهتمام الحكومة بشعبها الذي وصل إلى حد أنها أراقت ماء وجهها على أعتاب الموسرين تتسول قوت يومهم وخبز عشائهم وهي تعلم علم اليقين بأن الدين ذل النهار وهم الليل ولهذا فهي مصرة على أن يتوزع هذا الذل على شعبها نهاراً وهذا الهم عليهم ليلاً.. لك الله حتى الهم والذل تقاسمتيه مع هذا الشعب العاق !! ولكن صنع الجميل في هؤلاء الأعراب الجفاة شيء لا يشبهه إلا زراعة الملح!!.
بالطبع ليست كل الأخبار سيئة .. فهناك دائماً الأسوأ . والأخبار السيئة هي أن أغلب دائنينا منّـا!! أي بنوكنا ومؤسساتنا رأت من حالنا رثاثة فرقت قلوبها لنا ووضعت صرة فيها سبعمائة مليار ريال عند عتبة دار حكومتنا ليلاً لكي لا تعلم شمالها ما أنفقت يمينها. أما الأخبار الأسوأ فهي أننا لا نسدد كل عام إلا فوائد الدين المتنامية كأبناء الصينين أما الدين نفسه فثابت كما ثبتت في الراحتين الأصابع !!.والغريب أن أغلب ملاك هذه البنوك والمؤسسات أعضاء في الحكومة بشكل أو بآخر .. أي أن الحكومة تستدين من الحكومة ثم تخصص فائض الميزانية لكي تسدد فوائد دين الحكومة ويبقى دين الحكومة في رقابنا - نحن والحكومة - حتى يقوم الدجال!!. وكفاك بهذا رابطاً بين الحكومة وشعبها ولا تسمع لترهات الحاقدين
.
والحديث عن الدين والفقر والحكومة يجرنا بغير رسن إلى الحديث عن "صفر سبعة " ، وهو لمن يقطن خارج الخليج يمثل الجزء الجنوبي من البلاد . فنحن سبقنا العالم ودخلنا إلى الحضارة الرقمية منذ أن اكتشفت الحكومة أن تلك البقعة النائية من أرض الله لها فأدخلت لها الهاتف وجعلت مفتاحها شبيهاً بالسبع المثاني " 07 " بينما قال الحاقدون أنها أٌعطيت هذا الرقم لأنه ببساطة كان الرقم الأخير في المقاسم!!،وهي كانت حتى وقت قريب رمزاً للتخلف والتأخر وكأنها تحقن بمضادات الحضارة كل صباح .تلك البقعة ظلت بعيدة عن التطوير والرقي حتى أمتلك أهلها مناعة من الأمراض و الأسقام على طريقة التحصين البيئي الذي يهبه الله للمخلوقات التي تعيش في الظروف البيئية الصعبة فلم تعد تؤثر فيهم الأمراض ولا يقتلهم إلا وباء مثل "حمى الوادي المتصدع " أو سلاح دمار شامل كالسيارات. والغريب أن من يدير ذلك الإقليم هو نفسه من يرأس مؤسسة تهتم برقي الفكر العربي كله .. ولست أدري هل يشمل " العربي" الجنوب .." ولا ودي بعد أدري "! وفي هذا دليل دامغ على أننا شعوب لا تستجيب للتطوير ويجب استبدالنا بمن هم خير منا .. ربما من لبنان حيث مقر المؤسسة:ss: .
كان الناس حين يعلمون أن محدثهم من ذلك الإقليم يرددون ساخرين " صفر سبعة " ما كان يتبعه بالطبع معركة دامية تنتهي بحمل الناطق بتلك " الشتيمة " إلى المستشفى ونقل الـ"صفر سبعة" مخفوراً ومقيداً إلى الشرطة . فقد كانت تلك الصفة ترمز إلى الفارق الكبير بين الجنوب وبين غيره في مشاريع التنمية وإن كانت حظوظ الإنسان في الجميع متقاربة .. لكن لأننا حضارة "دكاكين" ولسنا حضارة "فكر" فإن رموزنا ليست فكرية ولكنها شكلية. الآن تناقص هذا الفارق كثيراً ولم يعد "الجنوبي" يشتاط غضباً عندما يقال له "صفر سبعة" ليس لأنه تقبل الوضع ولكن لأن الحال أصبح من بعضه كما يقال . ولا يعود هذا للقفزة الحضارية والإجتماعية في الجنوب التي قادها "مهاتير" السوده ولا "ماو تسي تونج" سامطة ، ولكنه عائد للهبوط الإضطراري الذي منيت به الأقاليم الأخرى حتى أصبح الوضع كما تقول أمي - حفظها الله - : " الضو تشوف الضو" كناية عن تقارب الوضع :D: .
وفي بلادنا كان الوضع قبل سنين أفضل كثيراً من الآن ، وكان كثيرون يرون أننا شعب مختار حتى أصبحت هناك بلدان تحسب مداخيل السياحة من السعوديين في ميزانيتها فشهرتنا في سفه الصرف لا يدانيها شيء . وأصبحت رؤية أحدنا في الخارج تعني مشروعا استثماريا لمواطن عربي أو أسيوي في تلك البلاد فنحن ننفق انفاق هارون الرشيد ولا نملك إلا حكمة هبنقة. ولأنه حق على الله أن لا يرتفع شيء عن الأرض إلا وضعه كما في الحديث فإنني أرى بوادرها تتهادى في سماء المستقبل القريب جداً .. قريبة إلى حد أنني أكاد أسمع شخصاً يسألك من أين أنت ؟؟ وعندما تجيبه يرد عليك ساخراً :" صفر .... خبزه"!!.
الروابط المفضلة