أخذ يجدف بيديه بسرعة هاربًا من موجة هادرة تتّجه نحوه , كان يتمسّك بلوح خشب بالكاد يطفو , فغشته الموجة بقوّتها وقذفت به ِ بعيدًا ففقد وعيه على إثر ذلك .
كان مرتحلا ً برتغاليًا على متن سفينة إسبانية , اسمها Devastadores , سيّرها دون جستافيو بماله الخاص , وما ان وصلوا إلى رأس الرجاء الصالح حتى انقلبت الأوضاع هناك .
عاصفة قوية .. أمواج ٌ وأمواج , إنكسر الشراع , وسقطت السارية , وتهاوت ديفاستدورس , على الديفاستدورسيين , كانوا جبّارين متعالين استقبلوا البرتغالي ألفاريز بترحاب
وما ان استووا في البحر حتى بدأوا يتآمرون عليه , فأخذوا ماله , وقالوا له : ستصل إلى إفريقية الجنوبية حيث أردت , لكنك ستصل بثيابك فقط
كان لألفاريز شقيق أصغر يعمل في جنوب القارة الإفريقية , فأخذ له بعض المال , وبعض الهدايا آخر تلك الهدايا سوار ذهب من خالته في لشبونة ,
والذي استولى عليه قبطان السفينة الأعور خوليو وارتداه
: أيها الأحمق البرتغالي , نحن من صنعكم , كنتم عبيدًا لنا لولا حلمنا عنكم ورحمتنا بكم ,
نحن ملوك الأراضي , في أوربا وأميركا ولولانا لما اقتطعت لكم أرضًا في أوربا , لتستقلوا بها !
-----
عزيزي غوميز, سأبحر اليوم من لشبونة باتجاهك , اتفقت مع أحد البحّارة الإسبان على أن يقلّني بمبلغ بسيط , وسأكون إلى جوارك بعد شهر على الأرجح
,وربما يتوقفون في مواني عديدة للتبضع وللمتاجرة , لذلك لا تقلق في حال أن تأخرنا لأسبوع ٍ آخر , الوفي دائمًا : ألفاريز .
قرأها غوميز للمرة العاشرة وأطرق برأسه وهمهم ثم نظر إلى السماء وتضرع : رباه .. رباه إنه أخي الذي بقي لي من عائلتي , اسألك أن ترجعه لي .
كان يخرج كل يوم ٍ قبل المساء , فينظر إلى المرفأ ويسأل البحّارة عن السفينة البرتغالية , وما من جواب !
---
استيقظ ألفاريز على وخز ٍ في كلتا قدميه , حركهما بثقل فتفرّقت الأسماك الصغيرة التي أخذت تنهش أصابع قدميه , مما تسبب له في بعض الأجراح
والتي تفاعلت بدورها مع ملوحة البحر فاشتدت آلامه , وأيقن أنه هالك ٌ لا محالة , وكيف قُدِّر له أن يعيش أصلاً بعد تلك الموجة !؟
مات الجميع , وهو الناجي الوحيد , رفع رأسه إلى السماء متضرعًا : رباه , إنه أخي الذي بقي لي من عائلتي , أسألك أن ترحمه وتحنو عليه , فلن يكون له أحد ٌ بعدي سواك .
وما إن انتهى من دعائه , حتى غشته موجة ٌ عنيفة قذفت به بعيدًا فأغشي عليه .
واستيقظ هذه المرة وهو مؤمنٌ أنه في يوم الحساب , خارت كل قواه , وانتهت كل آماله في النجاة عندما علم أنه ما زال حيًا, وضعفت عزيمته , قلّت حيلته , فترك ذلك اللوح
لتتولى المياه مواراته , وعندما هم بذلك , لمع بريق ٌ قريب منه فانتبه له , واستجمع كل قواه من جديد , وسبح نحوه بتثاقل ٍ ورهبة
فلما اقترب منه , وجد أنه جثة القبطان خوليو طافية ً على السطح , ممسكة بلوح ٍ خشبي ٍ أكبر , يتدلى من يديه سوار خالته اللشبونية ,
الذي اغتصبه خوليو منه , فخاف منه وابتعد قليلا ً , وظل يترقب لساعات ٍ طويلة
حتى مر قارب صيّاد إفريقي , فأخذ يصرخ وينادي فانتبه له الصيّاد وشق بقاربه الأمواج نحو ألفاريز , الذي ذهب باتجاه القبطان
فلكمه وهو ميّت , وبصق في وجهه وقال :
أيها القبطان الأحمق , ألا تعلم أن هذه البحار برتغالية ؟ ولأنك إسباني حقير فأنت لا تعلم أن من اكتشف رأس العواصف , الذي فتك بك وبرجالك , برتغالي ؟
أما وإن كنتم سلاطين الأراضي أيها الإسبان فنحن سلاطين البحار , هذا رد البحار البرتغالية عليكم .
وانتزع منه السوار ومضى نحو قارب الصيّاد !
الروابط المفضلة