في البدء كنّا وكان الوطن؛كان أبٌ وأمٌ وأصدقاء . تظللهم شمسٌ وغيمٌ ، سقوف بلادٍ طويلة لا تعرف الرحيل. كثرنا فكثرت الدروب ، ومع كل رحيل بقي راسخا في وجداننا الجمعي أن السفر قطعة من العذاب ،وأن التغريب تأكيدٌ لهذا المغزى. والأسوياء المقتدرون على الدنيا لا يختارون الرحيل مهما بدا فاتنا . تغير كل شيء ظنناه من موجبات الوجود، أصبح الوطن الاستعارة الأولى في اللغات، لأننا فقدنا الأوطان حتى صارت قصيدة نجهد في رسمها لأنها أضحت لدينا الوهم اللذيذ نَفر من خلاله للوطن.
نعم، تغير كل شيء، وطال الطريق. حتى صارت غربتنا الأخيرة داخل حدود الوطن، وصرنا نهرب من جنوبنا لشمالنا ، ومن شمالنا لجنوبنا، ومن كل الجهات إلى حيث كان البدء؛لدى الأب والأم والأصدقاء.
دعونا من عبث اللغة وكل الاستعارات والرحيل الكاذب يا سادة ولنتوجه بأحر التعازي والمواساة لكل الأوفياء للوطن ، رفاق الأمل والرسالة ؛أصدقائي وصديقاتي معلمي ومعلمات المملكة العربية السعودية لمصابهم الجلل في وفاة حلمهم الطويل طول السراة ، البعيد بعدنا عمن نحب، القريب قرب الله منا .
بقدر الانتظار يكون العذاب، من حمل حلمه سنين بين جنبيه يقطع به الدروب ليس كصاحب الحلم الوليد. وقد كان لنا يوما حلم يوسفي الصفات أن نعود من بعد البئر ولكن لا سيارة ، لا يعقوب والقميص، لا أحد الطيبين يفهمنا مع أنا منذ سنين نشكي يا صاحب سجني نبئني.و لقد طال الانتظار حتى تيقنت أن الأحلام تنتظر بقدر انتظارنا، ولا تمل حتى نمل نحن. وخاب ظني في كل أحد؛ الوزارة سيئة الذكر ، المشرفين المخبرين، والمدراء المتسلطين، و الباحثين عن المتابعين في وسومنا على تويتر،صحف النفاق وبيع الضمير، كل من يكتب عن كل شيء إلا أن يكتب عن أشواقنا، الأمة بكل الطيبين واللئام المشغولة بمعرض الرياض الدولي ”للكذاب“ .
وكنا وكان السؤال، وكنا ولا من يجيب..ولكنه قدرنا اخترناه بيدينا؛ أن نختار المهمة الجليلة بإيحاءاتها التاريخية والوجدانية الجميلة؛ أن تكون معلما، أو هي اللقمة الحلال، أو الرزق السهل بحسب تعبير الأمير خالد الفيصل. ولأن التعليم أصبح حقل تجارب لدينا فقد أصبح من بدهيات أيامنا وليالينا أن يأتي لنا في مواسم الرحيل وزير يضرب لنا الودع، يبيع لنا الوهم، يطمئننا أن الدنيا لازالت بخير وأني أبو محمد ؛ابن امرأة تأكل القديد . ولكن الوزير لا يعلم أنا من الراسخين في الحلم ،نكفر بكل أحد ولا ندير ظهورنا لأحلامنا مهما كثر الكهان ، ومهما كثرت الدروب ، ورغم كل شاك وشاكية” وضاعت خطاي حتى الدرب عيا يودي“ !
إلى قودو الذي يمعن في الغياب كل يوم، إلى السيئين ممن ”يطقطقون“ على أشواق العودة ، إلى ممتهني ضرب الودع وباعة الوهم في وزارة التعاميم، إلى اليونسكو والألكسو،إلى لجان وهيئات المعلمين والمعلمات هواة الرزق السهل، إلى محترفي النفاق والدجل في معرض الكتاب : تبا لكم جميعا منذ الحصة الأولى على بعد 1400 كيلو متر وحتى آخر شبر، سحقا لكم منذ المساءلة الأولى، الحسم الأول، ومنذ التأخر الأول عن طابور الصباح. تبا لكم منذ الحادث الأول لمعلمة الجنوب تنتظر موسم الهجرة إلى الشمال لتكمل نصف دينها وكل أحلامها فأضحى الحلم الخروج من المستشفى سليمة من عاهة مزمنة .
وكنا وكان الرحيل، وفي الختام كان يوسف والبئر ولا سيارة.
قطرة في آخر البئر!
الروابط المفضلة