أهـــكذا ، قرر الإمبراطور كاليجولا أن يكافئني على خدمتي ذات السنين الأربعين التي أفنيتها أُسبّحُ بحمده وحمد أبيه و جده ووالدته ومربيته وحمد كلبه الأمين وتمجيد حصانه ، والتبرك ببول طفله الصغير ذي السنوات الثلاث ❓❗أَتَعلم لم يمنعني الحشد اللانهائي آنذاك من المنتظرين تحت الشمس لبول الأمير أن أقف حتى احصل على حصتي من بول ابن الامبراطور المبارك . كل هذا لم يجدي نفعاً ياعزيزي جابي الضرائب . وها أنت تقف وتطلب مني 4000 قطعة ذهبية نظير وجودي بالحياة . فمقابل كل هذا الولاء والتمجيد والتطبيل الذي أمارسه باليوم خمس مرات وخدمتي المتفانية لجده وأبيه وفصيلته التي تؤويه إلاّ أنه طردني من عملي ، ويطالبني الآن بضريبة 4000 قطعة ذهبية وكأنه لا يعلم بأنني قد اكتفيت بوجبه واحدة منذ عامين وتركت الخمر واقلعت عن تدخين الماريوانا ولم اعد اوقد شمعة لتنير لي الطريق ، أو حينما ارغب الطريق فقد عوّدت عيني على الظلام فابصرُ ما احتاج الى رؤيته دون شموع ❗
إني يا سيدي الجابي تخليت عن مشاهدة المصارعة الرومانية ومباريات برشلونة من أجل أن آكل فقط … فقط .
قال جابي الضرائب : لعنة الله عليك أيها الحارس المتقاعد ، ما أكثر ازعاجك ، وكأن الإمبراطور ليس لديه من المهام والواجبات التي يدير بها الامبراطورية ومن شرفاء روما ومستشاريها الذين يجتمع بهم ومن جميلاتها ومن متع الحياة وزخرفها ومن الخمور المعتّقة ما يجعله يلتفت اليك والى حقارة ما تطلبه ، ألم يدر بخُلدك وعقلك الصغير أنه يعرف كل شيء ويحيط بكل شيء وأنه منحة الله لهذه الإمبراطورية لتبقى خالدة وتسيطر على العالم . وها أنت تقف عندك وتجادل وتظهر الامتناع عن دفع الضرائب التي يأخذها الإمبراطور لنفسه ويصرف على محظياته وعلى مشاريعه الليلية وعلى تجهيز جيوش روما العظيمة .
قال الحارس المتقاعد : سيدي جابي الضرائب لا املك من حطام الدنيا أي شيء . نظر الجابي وشاهد زوجة الحارس الجميلة كأنها وردة متفتحة والى صبييها الأشقرين كالبسبوسة . قال : أنت أيها العجوز كيف لك أن تظفر بفتاة جميلة كهذه وطفلان أشقران كبسبوسة وأنت تأكل وجبة واحدة منذ عامين كما ذكرت ❗
قال الحارس المتقاعد ؛ سيدي الجابي ، هذه زوجتي وقد تزوجتها على سنة يسوع المعمدان ومريم المجدلية بعد أن أحضرت موافقة من صاحب المقام العالي وزير الداخلية ، وكما ترى حصلت على مكافأتي وانجبت هذين الطفلين الجميلين بعد مجهودات شاقة وفياجرا ومكملات غذائية قبل طردي من الخدمة .
هزّ الجابي رأسه بغير اقتناع ، ربما يظن أن العجوز استعان بصديق ، خطرت له فكرة شيطانية . قال : أيها الحارس المسكين ، بما أنك لا تستطيع دفع الضريبة ، سنأخذ زوجتك وطفليك لبلاط الإمبراطور ، زوجتك لتعمل طاهية فربما هي تجيد الملوخية بالأرانب وابناك ليعملا في صنع البسبوسة الامبراطورية لضيوف الإمبراطور وزائريه ومستشاريه . لم يملك الحارس المتقاعد أي حيلة أمام الجابي وحراسه الأقوياء ، ساقوا المرأة والطفلين ، لم تبد المرأة أي مقاومة ، بل التفتت الى زوجها وقالت : يلعن أبو دي عيشة ، قرفتني بالفول والتميس مرة باليوم ، روح يا شيخ … خلينا نعيش زي العالم ❗
أُسقط في يد الحارس المتقاعد وظن أنه الفراق ، بل هو الفراق وذهب يشتكي الى “ براكوس “ زميله عازف المزمار في القهوة التي كان يجلس بها ويعزف لفقراء روما ومطحونيها الذين يسفّون التراب سفّا لمّا ، حيث أن الإمبراطور كاليجولا الذي نهب روما وأطلق شعاره الخالد “ أنا بصراحة اسرقُ “ ومقولته الأخرى “ أنا ، لا ارتاحُ إلا مع الموتى “ . سرق وقتل ونهب وجأرت الرعية “ حط تحت جأرت ثلاثة خطوط حمراء “ حتى إذا استخدمتها مرةً أخرى يابو المختار تصلي صلاة الاستخارة بينها وبين ضرعت .
لم يبق بيت ولا كوخ ولا شارع ولا زُقاق إلا وأصابه الضُرُّ من الزفت “ كاليجولا “ حتى البهائم أصابها ضنك العَيش . شكى الحارس المتقاعد الى صديقه عازف المزمار .
نهض عازف المزمار براكوس وقال ؛ " إلى متي يا اشراف روما نظل خاضعين لجبروت كاليجولا " ونهض المثبطون وقالوا : على تبن يا براكوس واصمت صمت القبور قبل أن تجاور أصحابها .
طمأن براكوس صديقه الحارس المتقاعد الذي نسيت اسمه وقال : سأعزف موسيقاي الخالدة “ بحيرة الفيران “ وسأجعل الفيران تنقضُّ على روما من كل بقاع البلدان المجاورة . هذا ما حدث أيها السادة ، فقد جاءت فيران حمر وسود ورمادية ومخططة وأكلت الأخضر واليابس ، وأصبحت تجلس بالحانات وتدخن المعسلات وتقود العربات التي تجرها الخيول ، وعظم شأن الفيران وفي قول آخر الفئران حتى وصلت الى بلاط الامبراطور كاليجولا ونقزت بوجهه وأكلت من طعامه وقرضت أذن ابنه صاحب البول المبارك . تضايق كاليجولا من الفيران وأعلن الحرب ولكن لم يستطع اخراجها من غرفة نومه . قيل له إن براكوس عازف المزمار يستطيع اخراجها ، فاستدعاه بالحال وقال له : أيها العازف المنتاز البطران تكفى اخرج هذه الفيران من بلدتنا ❗ . قال العازف : ما عندي مانع بشرط ، تعيد اطفال صديقي الحارس اليه وتكف عن الضرائب التي أرهقت سكان روما . قال الامبراطور كاليجولا الرهيب : وش رايك أدلّك لك اصبع رجلك اليمين ❓قال العازف : هذا شرطي ، تبغى والا اذهب الى القهوة ، لأني خرمان على حجر معسل وشاي الوزة .❗
في النهاية رضخ الامبراطور لشروط عازف المزمار ، وأعاد الصبيين اللذين كالبسبوسة الى والدهما ، غريبة : لم يسأل أحد عن الزوجة التي كالوردة المتفتحة . لا حاجة للسؤال لأنها أصبحت خليلة الامبراطور وصديقته الروح بالروح .
أخرج براكوس مزماره الاسطوري وعزف “ لحن الفراق “ فخرجت جميع الفيران من جحورها وذهب بها الى البحر وغرقت … طيب وبعدين : انتهت القصة ، شكراً لك يا بو المختار ، تعال زرنا المرة القادمة . ❗
لا ، ياعزيزي لم تنته القصة “ وليست تنتهي لأنها مجزومة بحذف حرف العلة ، الله يعل العدو “ . فإن الإمبراطور عاد الى سابق عهده بالطغيان وارجع الصبيين اللذين الآن اصبحا كالبقلاوة ، وسرق ونهب وعاث فساداً كما يعيث الحمار باسطبل تبن مفتوح .
هذا أغضب عازف المزمار ، الذي خرج في الصباح الباكر وارتقى على أعلى جبل بالمدينة وعزف لحناً غريبا سمعته كل المدينة اسمه “ الأطلال “ كلمات ابراهيم ناجي والحان رياض السنباطي وفيها يافؤادي لا تسل أين الهوى ، كان صرحاً من خيال فهوى ، فهوت جميع المباني العالية وانهدم قصر الامبراطور وليت الحال توقف عند ذلك ، بل خرج جميع الأطفال والشيوخ والشباب والنساء والرجال بما فيهم الحارس والامبراطور والصبيان والخيول والحمير والبغال والطيور وكل شيء حتى ريموتات التلفزيونات وتبعت العازف ، الذي أخذ بهم طريق البحر وابتلعهم البحر ، فسبحان من له الدوام وهو الحي الذي لا يموت . فاصبح المسافر يمر عجلاً ويقول : كانت هنا مدينة وكان هنا امبراطور ظالم ، وحارس مسكين …
ذهبوا مع الريح ❗
الروابط المفضلة